|
الصفحة الرئيسية
>
حــديث
عن أبي سعيد الخدري قال: قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ النّاسَ فَقَالَ: "لاَ وَاللّهِ مَا أَخْشَى عَليْكُمْ، أَيّهَا النّاسُ إِلاّ مَا يُخْرِجُ اللّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشّرّ؟. فَصَمَتَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً. ثُمّ قَالَ "كَيْفَ قُلْتَ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَأَتِي الْخَيْرُ بِالشّرّ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الْخَيْرَ لاَ يَأْتِي إِلاّ بِخَيْرٍ. أَوخَيْرٌ هُوَ. إِنّ كُلّ مَا يُنْبِتُ الرّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمّ. إِلاّ آكِلَةَ الْخَضِرِ. أَكَلَتْ، حَتّى إِذَا امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشّمْسَ. ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ. ثُمّ اجْتَرّتْ. فَعَادَتْ. فَأَكَلَتْ. فَمَنْ يَأْخُذْ مَالاً بِحَقّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ. وَمَنْ يَأْخُذْ مَالاً بِغَيْرِ حَقّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ". رواه مسلم.
يعد هذا الحديث من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلم إلى معناه.
فقد عرض الحديث لصنفين من الناس؛ الأول: المستكثر في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها وهو الذي شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالبهيمة التي تأكل ما أنبت الربيع _أي جدول الماء_ وهو مرعى طيب تستلذ الماشية من أكله فتستكثر منه حتى تنتفخ فتموت، وهذا هو الحَبَط الوارد في الحديث؛ فالحبط انتفاخ البطن من كثرة الأكل. أو تقارب من الهلاك وهو قوله (يُلمّ).
الصنف الثاني: المقتصد في جمع المال وفي الانتفاع به وهو ما شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بآكلة الخضر التي شبعت فثقل عليها ما أكلت فتحيلت في دفعه بأن اجترّت أي أخرجت ما أدخلته في كرشها من العلف فأعادت مضغه فيزداد نعومة ، ثم تستقبل الشمس فتحمى بها فيسهل خروجه، فإذا خرج زال الانتفاخ فسلمت ، وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعاً.
فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها ولا منعها من مستحقها ، فهو من ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر ، وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رجيعها في بطنها .
ثم يختم النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بما يصحح ما يكون قد فهمه البعض خطأ أنه صلى الله عليه وسلم يشجع الفقر ويحث عليه، ويزهد في الغنى، فقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن المال يكون نعم المعونة للعبد بشرط أن يجمعه من حلال وينفقه في سبيل الله ولا يبخل به، أما إن أخذه بغير حقه وبخل به كان وبالا عليه يوم القيامة، فاللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا.
المزيد |